للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إرضاء النفوس الضعيفة بما يستخرج منها من محبة الله، ورسوله، ودينه، فإن النفوس متى نالت شيئًا من حظِّها؛ طُوِّعت ببذل ما عليها من الحق، ولم يتسع قلب عمر لذلك لما دخل، فأنكره، وكم بين من ترد عليه الواردات فكل منها يثني همته، ويحرك قلبه إلى الله، كما قال القائل (١):

يُذكِّرُنيك الخيرُ والشرُّ والذي ... أخافُ وأرجو والذي أتوقعُ

وبين من تَرِد عليه الواردات فتشغله عن الله، وتقطعه عن سير قلبه إليه، فالقلب الواسع يسير بالخلق إلى الله ما أمكنه، فلا يهرب منهم، ولا يلحق بالقفار، والجبال والخلوات، بل لو نزل به من نزل سار به إلى الله فإن لم يسر معه سار هو، وتركه. ولا يُنكر هذا فالمحبة الصحيحة تقتضيه، وخذ هذا في المغنّي إذا طرب، فلو نزل به من نزل أطربهم كلهم، فإن لم يطربوا معه لم يدع طربه لغِلَظِ أكبادهم، وكثافة طبعهم. وكان شيخنا يميل إلى هذا القول، وهو كما ترى قوَّته، وحجَّته.

والتحقيق: أن المحبوب لذاته لا يمكن أن يكون إلا واحدًا، ويستحيل أن يوجد في القلب محبوبان لذاتهما، كما يستحيل أن يكون في الخارج ذاتان قائمتان بأنفسهما، كلُّ ذات منهما مستغنيةٌ عن الأُخرى من جميع الوجوه، وكما يستحيل أن يكون للعالم ربَّانِ متكافئان مستقلَّان، فليس الذي يُحَبُّ لذاته إلا الإله الحق، الغنيُّ بذاته عن كل ما


(١) تقدم البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>