ومات ابنٌ له، فقطَّعتْ أُمُّه شعرها، فدخل هو الحمام، ونوَّر لحيته حتى ذهب شعرها، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: إنَّهم يُعزُّونني على الغفلة، ويقولون: آجرك الله، ففديتُ ذكرهم لله تعالى على الغفلة بلحيتي، وموافقةً لأهلي.
ونظير هذا ما يُحكى عن النوري أنه سمع رجلًا يؤذِّن، فقال: طعنةٌ، وسمُّ الموت. وسمع كلبًا ينبح، فقال: لبَّيك، وسعديْك! فسُئل عن ذلك فقال: أمَّا ذاك فكان يذكره على رأْس الغفلة، وأمَّا الكلب فقال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}[الإسراء/ ٤٤].
وسمع الشبلي مرةً رجلًا يقول: جلَّ الله! فقال: أحبُّ أن تُجِلَّه عن هذا.
ويا عجبًا ممَّن يَعُدُّ هذا في مناقب رجلٍ، ويجعله قدوةً، ويزيِّن به كتابه!
وهل شيءٌ أشدُّ على قلب المؤمن، وأمرُّ عليه من ألَّا يرى لربِّه ذاكرًا؟ وهل شيءٌ أقرُّ لعينه من أن يرى ذاكرين لله بكل مكان، وعذرُ هذا القائل أنه لا يرى ذاكرًا لله بحقِّ الذِّكر، بل لا يرى ذاكرًا إلَّا والغفلةُ والسهو مستولٍ على قلبه، فيذكر ربَّه بلسان فارغ من القلب وحضوره في الذكر، وذلك ذكرٌ لا يليقُ به، فيغارُ محبُّه أن يُذكر بهذا الذكر، فيحبُّ ألا يسمع أحدًا يذكره هذا الذِّكر. ولمَّا اشترك الناس في هذا الذِّكر أخبر أنَّ راحته ألَّا يرى له ذاكرًا، هذا أحسنُ ما يُحمل عليه كلامه، وإلا