الباب التَّاسع والعشرون في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى
قد تقدَّم ذكرُ الآيات في ذلك، وبعض ما ورد في السنَّة.
الهوى: ميلُ الطبع إلى ما يلائمه. وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه. فإنَّه لولا ميله إلى المطعم، والمشرب، والمنكح؛ ما أكل، ولا شرب، ولا نكح. فالهوى مستحبٌّ له لما يريده، كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذيه، فلا ينبغي ذم الهوى مطلقًا، ولا مدحه مطلقًا، كما أنَّ الغضب لا يُذَمُّ مطلقًا، ولا يحمد مطلقًا، وإنما يُذَمُّ المفرط من النوعين، وهو ما زاد على جلب المصالح، ودفع المضار.
ولمَّا كان الغالب ممن يطيع هواه وشهوته وغضبه: أنَّه لا يقف فيه على حدِّ المنتفع [١٧٩ أ] به؛ أُطلِق ذمُّ الهوى، والشهوة، والغضب؛ لعموم غلبة الضَّرر؛ لأنَّه يندر من يقصد العدل في ذلك، ويقف عنده، كما أنَّه يندر في الأمزجة المزاج المعتدل من كل وجه، بل لا بدَّ من غلبة أحد الأخلاط والكيفيات عليه، فحرص النَّاصح على تعديل قُوَى الشَّهوة والغضب من كلِّ وجهٍ، كحرص الطَّبيب على تعديل المزاج من كلِّ وجه، وهذا أمرٌ يتعذَّر وجودُه إلَّا في حقِّ أفرادٍ من العالم، فلذلك لم يذكر الله الهوى في كتابه إلَّا ذمَّه، وكذلك في السُّنَّة لم يجئ إلَّا