فكذا القلبُ واحدٌ ليس يهوى ... غيرَ فردٍ مباعدٍ أو مُدانِ
هو في شرعة المودَّة ذو شكٍّ ... بعيدٌ من صحَّة الإيمان
وكذا الدِّينُ واحدٌ مستقيمٌ ... وكَفُورٌ من عنده دينان
وقد اختلف الناسُ في هذه المسألة، فقالت طائفة: ليس للقلب إلَّا وجهةٌ واحدةٌ، إذا توجَّه إليها؛ لم يمكنه التوجُّه إلى غيرها، قالوا: وكما أنه لا يجتمع فيه إرادتان معًا؛ فلا يكون فيه حُبَّان، وكان الشَّيخُ إبراهيم الرَّقيُّ ــ رحمه الله ــ يميل إلى هذا.
وقالت طائفةٌ: بل يمكن أن يكون له وجهتان فأكثر [١٠٩ ب] باعتبارين، فيتوجَّه إلى أحدهما، ولا يشغله عن توجُّهه إلى الآخر.
قالوا: والقلب حاملٌ، فما حمَّلته تحمَّل، فإذا حمَّلته الأثقال؛ حملها، وإن استعجزته عجز عن حمل غير ما هو فيه، فالقلبُ الواسعُ يجتمع فيه التوجُّه إلى الله سبحانه، وإلى أمره، وإلى مصالح عباده، ولا يشغله واحدٌ من ذلك عن الآخر، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلبه متوجهٌ في الصلاة إلى ربه، وإلى مراعاة أحوال من يُصلي خلفه، وكان يسمع بكاء الصبي، فيخفف الصلاة خشية أن يشُقَّ على أُمه (١)، أفلا ترى قلبه الواسع الكريم، كيف اتَّسع للأمرين؟ ولا يُظَن: أن هذا من خصائص النُّبوة، فهذا عمر بن الخطاب كان يجهز جيشه وهو في الصلاة، فيتَّسع
(١) أخرجه البخاري (٧٠٩، ٧١٠)، ومسلم (٤٧٠) من حديث أنس.