للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَادِرٍ} [الأحقاف/٣٣]، فعدَّى فعل الرؤية بالباء، وفي الحديث: «المُؤْمِنُ أخُو المُؤْمِنِ يَسَعُهُما المَاءُ والشَّجَرُ، ويَتَعاوَنَانِ على الْفتَّانِ» (١). يُروى بفتح الفاء وهو واحدٌ، وبضَمها وهو جمع فاتنٍ، كتاجرٍ وتُجَّار.

والمقصود: أنَّ الحُبَّ موضعُ الفتون، فما فُتِن مَنْ فُتِنَ إلا بالمحبَّة.

فصل

وأمَّا الجنون: فمن الحُبِّ ما يكونُ جنونًا، ومنه قوله (٢):

قالتْ جُنِنْتَ بمن تهوَى فقلتُ لها ... العشقُ أعظمُ ممَّا بالمجانين

العشقُ لا يَستفيقُ الدهرَ صَاحبُه ... وإنما يُصْرَعُ المجنونُ في الحين

وأصل المادة من السَّتر في جميع تصاريفها، ومنه: أجنَّه اللَّيلُ، وجَنَّ عليه: إذا سترَه، ومنه الجَنِينَ؛ لاستتاره في بطن أُمِّه، ومنه الجَنَّة؛ لاستتارها بالأشجار، ومنه المِجَنُّ؛ لاستتار الضارب به والمضروب، ومنه الجِنُّ؛ لاستتارهم عن العيون، بخلاف الإنس، فإنَّهم يُؤْنَسُون؛ أي: يُرَون، ومنه الجُنَّة بالضم، وهي ما استترتَ به واتّقيتَ، ومنه قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة/١٦] وأجننتُ الميّتَ: [١٧ ب] واريتُه في


(١) أخرجه أبو داود (٣٠٧٠)، والترمذي (٢٨١٤) من حديث قيلة بنت مخرمة. وفي إسناده عبد الله بن حسان العنبري، قال الحافظ في «التقريب»: مقبول.
(٢) البيتان لمجنون ليلى في «ديوانه» (ص ٢٨١)، و «الأغاني» (٢/ ٣٦)، و «مصارع العشاق» (١/ ١٢٦، ٢/ ١٨١)، و «المستطرف» (٣/ ٣٢)، و «تزيين الأسواق» (١/ ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>