إنَّ التي زَعمت فؤادك ملَّها ... خُلِقَتْ هواكَ كما خُلِقْتَ هوىً لها [٣١ أ]
فبك الذي زعمتْ بها فكلاكُما ... أبدى لصاحبِه الصَّبابةَ كلَّها
فإذا تشاكلت النفوس وتمازجت الأرواح وتفاعلت؛ تفاعلت عنها الأبدان، وطلبت نظير الامتزاج والجوار الذي بين الأرواح، فإن البدن آلة الرُّوح ومَركَبُه، وبهذا ركَّب الله سبحانه شهوة الجماع بين الذكر والأنثى طلبًا للامتزاج والاختلاط بين البدنين، كما هو بين الرُّوحين، ولهذا يُسمَّى جماعًا وخِلاطًا ونكاحًا وإفضاء؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما يُفضي إلى صاحبه، فيزول الفضاءُ بينهما.
فإن قيل: فهذا يُوجِب تأكُّد الحبِّ بالجماع وقوّتَه به، والواقعُ خلافه، فإنَّ الجماع يُطْفِئ نارَ المحبَّة، ويُبَرِّد حرارتَها، ويُسكِّن نفس المحبِّ.
قيل: الناس مختلفون في هذا، فمنهم من يكون بعد الجماع أقوى محبَّةً، وأمكنَ وأثبت ممَّا قبله، ويكون بمنزلة من وُصف له شيء ملائمٌ، فأحبَّه، فلمَّا ذاقه كان له أشدَّ محبَّة، وإليه أشدَّ اشتياقًا.
وقد ثبت في الصحيح (١) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروج الملائكة
(١) أخرجه البخاري (٦٤٠٨)، ومسلم (٢٦٨٩) من حديث أبي هريرة.