وكان - صلى الله عليه وسلم - مع هذا الحسن قد أُلقيت عليه المحبَّةُ، والمهابةُ، فمن وقعت عليه عيناه؛ أحبَّه، وهابه، وكمَّل الله سبحانه له مراتب الجمال ظاهرًا وباطنًا. وكان أحسنَ خلقِ الله خَلقًا وخُلقًا، وأجملَهم صورةً ومعنى. وهكذا كان يوسفُ الصِّديق - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قالت امرأةُ العزيز للنِّسوة لمَّا أرتْهُنَّ إياه؛ ليعذُرْنَها في محبَّته:{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}[يوسف/٣٢] أي: هذا هو الذي فُتنت به، وشُغِفْتُ بحبِّه، فمن يلومني على محبته، وهذا حسن منظره. [٨٨ أ] ثم قالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}[يوسف/٣٢] أي: ومع هذا الجمال، فباطنُه أحسنُ من ظاهره، فإنَّه في غاية العفَّة، والنَّزاهة، والبُعد عن الخنا، والمحبُّ وإن عِيبَ محبوبه؛ فلا يجري لسانه إلا بمحاسنه، ومدحه.
ويتعلَّق بهذا قوله تعالى في صفة أهل الجنة:{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[الإنسان/١١]. فجمَّل ظواهرهم بالنَّضْرة، وبواطنهم بالسُّرور، ومثله قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/٢٢ ــ ٢٣] فإنه لا شيء أشهى إليهم، وأقرُّ لعيونهم، وأنعم لبواطنهم من النَّظر إليه، فنضَّر وجوههم بالحسن، ونعَّم قلوبهم بالنظر إليه.
وقريبٌ منه قوله تعالى:{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} فهذا زينة الظاهر، ثم قال:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[الإنسان/٢١] أي: مطهرًا لبواطنهم من كل أذىً. فهذا زينة الباطن، ويشبهه قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا