يحرمك الله الأجر على مصيبتك! فقلت له: من هذا الشيخ؟ فقال: رجلٌ منَّا من الأنصار. فقلت: وما قصَّته؟ فقال: أصيب بابنه، وكان به بارًّا، قد كفاه جميعَ ما يعنيه، وميتته عَجَبٌ! قلت: وما كانت؟ قال: أحبَّته امرأةٌ، فأرسلت إليه تشكو حبَّه، وتسأله الزِّيارة، وكان لها زوج، فألحَّت عليه، فأفشى ذلك إلى صديقٍ له، فقال له: لو بعثت إليها بعض أهلك، فوعظها، وزجرها رجوتُ أن تكُفَّ عنك، قال: فأمسك، وأرسلت إليه إمَّا أن تزورني، وإمَّا أن أزورك، [١٧٧ أ] فأبى، فلمَّا يئست منه؛ ذهبت إلى امرأةٍ كانت تعمل السِّحْر، فجعلت لها الرَّغائب في تهييجه، فعملت لها في ذلك، فبينا هو ذات ليلةٍ مع أبيه؛ إذ خطر ذكرُها بقلبه، وهاج منه أمرٌ لم يكن يعرفه، واختلط، فقام مسرعًا، فصلى، واستعاذ، والأمر يشتدُّ، فقال: يا أبت! أدركني بقيدٍ. فقال: يا بنيَّ ما قصَّتُك؟ فحدَّثه بالقصَّة، فقام، وقيَّده، وأدخله بيتًا، فجعل يضطرب، ويخور، كما يخور الثَّور، ثمَّ هدأ، فإذا هو ميِّتٌ، والدَّمُ يسيل من منخره.
فصل
وهذا ليس بعجيب من الرجال، ولكنَّه من النِّساء أعجب!
قال أبو إدريس الأودي (١): كان رجلان في بني إسرائيل عابدان، وكانت جاريةٌ جميلةٌ، فأحبَّاها، وكتم كلٌّ منهما صاحبه، واختفى كلٌّ
(١) أخرج عنه السراج في مصارع العشاق (١/ ٧٤)، وابن الجوزي (ص ٢٧٠ - ٢٧١).