وأما ما يُحَبُّ لأجله سبحانه فيتعدَّد، ولا تكون محبة العبد له شاغلةً له عن محبة ربِّه، ولا يشركه معه في الحب، [١١٠ ب] فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب زوجاته، وأحبهن إليه عائشة وكان يحب أباها، ويحبُّ عمر وكان يحب أصحابه، وهم مراتب في حبه لهم، ومع هذا فحبُّه كلُّه لله، وقوى حبه جميعها منصرفةٌ إليه سبحانه.
فإن المحبة ثلاثة أقسام: محبة الله، والمحبة له وفيه، والمحبة معه.
فالمحبَّة له وفيه من تمام محبته وموجباتها، لا من قواطعها، فإن محبة الحبيب تقتضي محبة ما يحبُّ، ومحبة ما يعين على حبه، ويوصل إلى رضاه وقربه، وكيف لا يحب المؤمن ما يستعين به على مرضاة ربه، ويتوصل به إلى حبه وقربه؟! وأما المحبة مع الله؛ فهي المحبة الشركية، وهي كمحبة أهل الأنداد لأندادهم، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة/ ١٦٥].
وأصلُ الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة، فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب سبحانه في خلق السموات والأرض، وإنما كان شركهم بها من جهة محبتها مع الله، فوالَوا عليها، وعادَوا عليها، وتألهوها، وقالوا: هذه آلهةٌ صغار تقربنا إلى الإله الأعظم. ففرقٌ بين محبة الله أصلًا، والمحبة له تبعًا، والمحبة