يقول: جهادُ النفس والهوى أصلُ جهاد الكفَّار والمنافقين، فإنَّه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسَه وهواه أولًا، حتَّى يخرج إليهم.
الثالث والثلاثون: أنَّ الهوى تخليطٌ، ومخالفته حِمْيَةٌ، ويُخاف على من أفرط في التخليط، وجانبَ الحِمْية أن يصرعه داؤه. قال عبد الملك ابن قُرَيب: مررتُ بأعرابيٍّ به رمدٌ شديد، ودموعه تسيل على خدَّيه، فقلت: ألا تمسح عينيك؟ قال: نهاني الطَّبيبُ عن ذلك، ولا خير فيمن إذا زُجر، لا ينزجر، وإذا أمر، لا يأتمر! فقلتُ: ألا تشتهي شيئًا! فقال: بلى! ولكنِّي أحتمي، إنَّ أهل النَّار غلبت شهوتُهم حِمْيَتَهُم، فهلكوا.
الرَّابع والثلاثون: أنَّ اتباع الهوى يغلقُ [١٨٢ ب] عن العبد أبو ابَ التَّوفيق، ويفتح عليه أبوابَ الخِذْلان، فتراه يَلْهج بأنَّ الله لو وفَّق لكان كذا وكذا، وقد سدَّ على نفسه طُرُق التوفيق باتباعه هواه. قال الفُضيل بن عياض: من استحوذَ عليه الهوى واتِّباع الشَّهواتِ؛ انقطعت عنه موارد التَّوفيق.
وقال بعض العلماء: الكفر في أربعة أشياء: في الغضب، والشهوة، والرَّغبة، والرَّهبة، ثمَّ قال: رأيت منهنَّ اثنتين: رجلًا غضب فقتل أمَّه، ورجلًا عَشِقَ فتنصَّر.
وكان بعض السَّلف يطوفُ بالبيت، فنظر إلى امرأةٍ جميلةٍ، فمشى إلى جانبها، ثمَّ قال (١):
(١) هو عبد الله بن حسن بن حسن، كما في ذم الهوى (ص ٢٤ - ٢٥).