للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأصحابُ الأمر حربٌ لأصحاب القدر حتى يرُدُّوهم إلى الأمر، وأصحابُ القدر يُحاربون أصحابَ الأمر حتى يُخرجوهم منه، فالرسل دينهم الأمرُ مع إيمانهم بالقدر وتحكيم الأمر عليه، وإبليسُ وأتباعهُ دينُهم القدر ودفعُ الأمر به، فتأمَّلْ هذه المسألة في القدر والأمر، وانقسامِ العالم فيها إلى هذه الأقسام الخمسة، وبالله التوفيق.

فحركاتُ العالَمِ العُلويِّ والسُّفليِّ وما فيهما مُوافِقةٌ للأمر؛ إمَّا الأمرِ الدينيّ الذي يُحِبُّه الله ويرضاه، وإمَّا الأمرِ الكونيّ الذي قدَّره وقضاه، وهو سبحانه لم يُقدِّره سُدًى، ولا قضاه عبثًا، بل لما له فيه من الحكم (١) والغايات الحميدة، وما يترتب عليه من أمور يحبُّ غاياتِها وإن كره أسبابها ومبادئها، فإنَّه سبحانه وتعالى يُحبُّ المغفرة، وإن كره معاصيَ عباده، ويحبُّ السَّتْر، وإن كره ما يَسْتر عبده عليه [٢٥ أ]، ويحبُّ العتْقَ، وإن كره السبب الذي يَعْتِقُ عليه من النار، ويحبُّ العفو، كما في الحديث: «اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ العفوَ، فَاعْفُ عَنِّي» (٢)، وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار، ويحبُّ التوَّابين وتوبتَهم، وإن كره معاصيَهم التي يتوبون إليه منها، ويحبُّ الجهادَ وأهلَه، بل هم أحبُّ خلقه إليه، وإن كره


(١) ش: «الحكمة».
(٢) أخرجه أحمد (٦/ ١٨٢، ١٨٣، ٢٠٨)، والترمذي (٣٥١٣)، والنسائي في الكبرى (٧٦٦٥)، وابن ماجه (٣٨٥٠) من حديث عائشة. وصححه الحاكم في المستدرك (١/ ٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>