للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن علامات المعرفة: الهيبةُ، فكلما ازدادت معرفة العبد بربه؛ ازدادت هيبتُه له، وخشيتهُ إياه، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر/ ٢٨] أي: العلماء به. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أعرفكم بالله، وأشدكم له خشية» (١) ومن عرف الله؛ صفا له العيشُ، وطابتْ له الحياةُ، وهابه كلُّ شيءٍ، وذهب عنه خوفُ المخلوقين، وأنِسَ بالله، واستوحش من الناس، وأورثته المعرفة الحياء من الله، والتعظيم له، والإجلال، والمراقبة، والمحبة، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والرضا به، والتسليم لأمره.

وقيل للجُنيد (٢) ــ رحمه الله تعالى ــ: إن هاهنا أقوامًا يقولون: إنهم يَصِلُون إلى البرِّ بترك الحركات، فقال: هؤلاء قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهو عندي عظيم، والذي يزني ويسرقُ أحسنُ حالًا من الذي يقول هذا، فإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله، وإلى الله رجعوا فيها، ولو بقيتُ ألف عامٍ لم أنقص من أعمال البرِّ شيئًا.

وقال: لا يكون العارفُ عارفًا حتى يكون كالأرض يطؤه البَرُّ، والفاجر، وكالمطر يسقي ما يُحب وما لا يُحبُّ.

وقال يحيى بن مُعاذ: يخرج العارف [١٥٥ أ] من الدُّنيا، ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤُه على نفسه، وشوقه إلى ربه. وقال بعضُهم: لا


(١) أخرجه البخاري (٦١٠١، ٧٣٠١)، ومسلم (٣٥٦) من حديث عائشة.
(٢) من هنا إلى ص ٥٥٤ منقول من الرسالة القشيرية (ص ٣١٥ ـ ٣٢٨، ٤٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>