للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحسن منه منظرًا، وأطيب مخْبَرًا، فغضُّ البصر يَسُدُّ عنه هذا الباب؛ الذي عجَزَت الملوكُ عن استيفاء أغراضِهم فيه.

الفائدة التَّاسعة: أنه يقوِّي عقلَه، ويزيده، ويثبِّته، فإنَّ إطلاقَ البصر وإرسالَه لا يَحصُل إلا من خِفَّة العقل، وطَيْشه، وعدم ملاحظته للعواقب، فإنَّ خاصَّة العقل ملاحظةُ العواقب. [٤٠ ب] ومُرْسِلُ النظرِ لو علمَ ما تجني عواقبُ نظره عليه لما أطلق بصرَه، قال (١):

وأعقلُ النَّاسِ مَنْ لم يرتكبْ سَببًا ... حتَّى يُفكِّرَ ما تَجْني عَواقبُهُ

الفائدة العاشرة: أنَّه يُخلِّص القلب منْ سُكر الشَّهوة، ورَقْدة الغفلة، فإنَّ إطلاقَ البصر يُوجب استحكامَ الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويُوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى عن عشَّاق الصُّوَر: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر/٧٢]. فالنظرةُ كأسٌ من خمر، والعشقُ هو سكرُ ذلك الشَّراب.

وسكرُ العشق أعظمُ من سكر الخمر، فإنَّ سكرانَ الخمر يُفيقُ، وسكران العشق قلَّما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات، كما قيل (٢):

سُكرانِ سكرُ هوًى وسكرُ مدامةٍ ... ومتى إفاقةُ مَنْ به سُكْرانِ؟


(١) البيت بلا نسبة في «ذم الهوى» (ص ١٤).
(٢) البيت لديك الجن في «ديوانه» (ص ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>