للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب العاشر

في ذكر حقيقة العشق وأوصافه [٥٢ ب]

وكلام النَّاس فيه (١)

فالَّذي عليه الأطباء قاطبةً: أنَّه مرض وَسْوَاسي شبيهٌ بالماليخوليا، يَجْلِبُهُ المرءُ إلى نفسه بتسليط فكره على استحسانِ بعض الصُّور والشمائل، وسببُه النفسانيُّ: الاستحسانُ والفكر، وسببُه البَدَنيُّ: ارتفاعُ بخارٍ رديءٍ إلى الدِّماغ من مَنِيٍّ مُحْتَقِنٍ، ولذلك أكثر ما يعتري العُزَّاب، وكثرةُ الجماع تزيلهُ بسرعة.

وقال بعضُ الفلاسفة (٢): العشق طمعٌ يتولَّد في القلب، ويتحرَّك، ويَنْمي، ثم يَتربَّى، وتجتمعُ إليه موادُّ من الحرص، وكلَّما قويَ؛ ازداد صاحبُه في الاهتياج واللَّجاج والتَّمادي في الطمع والحرص على الطَّلب، حتى يؤديه ذلك إلى الغمّ والقلق (٣)، ويكون احتراقُ الدَّم عند ذلك باستحالته إلى السوداء، والتهاب الصَّفراء، وانقلابها إليها. ومن غلبَتْهُ السَّوداء يحصُلُ له فساد الفكر، ومع فساد الفكر يكون زوالُ العقل، ورجاءُ ما لا يكون، وتمنِّي ما لا يتمّ، حتى يؤدِّيَ ذلك إلى


(١) هذا الباب كله مأخوذ من «الواضح المبين» (ص ٤٠ ـ ٥٠).
(٢) هو فيثاغورس، كما في «ذم الهوى» (ص ٢٨٩).
(٣) ت: «المقلق».

<<  <  ج: ص:  >  >>