للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنون، فحينئذٍ ربَّما قتل العاشقُ نفسه، وربَّما مات غمًّا، وربَّما نظرَ إلى معشوقه، فمات فرحًا، وربما شَهِقَ شَهْقَةً فتختنق رُوحُه، فيبقى أربعًا وعشرين ساعةً فيُظَنُّ: أنَّه قد ماتَ، فيدفن وهو حيّ، وربَّما تنفَّس الصُّعداء، فتختنق نفسُه في تَامُور قلبه، وينضمُّ عليها القلبُ، ولا ينفرج حتى يموت، وتراه إذا ذُكر له مَنْ يهواه؛ هرب دمُه، واستحال لونُه. وقال أفلاطون: العِشْق حركةُ النَّفس الفارغة. وقال أرسطاطاليس: العِشْقُ عمى الحِسِّ عن إدراك عيوب المحبوب.

ومن هذا أخذ جرير قوله (١):

فلست براءٍ عيبَ ذي الودِّ كلَّه ... ولا بعضَ ما فيه إذا كنتُ راضيا

فعينُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كَليلَةٌ ... ولكنَّ عينَ السُّخط تُبْدِي المَساويا

وقال أرسطو: العشقُ جهلٌ عارضٌ، صادفَ قلبًا فارغًا لا شُغْل له من تجارةٍ وصناعةٍ.

وقال غيره (٢) هو سوءُ اختيارٍ صادفَ نفسًا فارغة.


(١) البيتان لعبد الله بن معاوية في «عيون الأخبار» (٣/ ١١، ٧٦)، و «الكامل» للمبرد (١/ ٢٧٧)، و «حماسة ابن الشجري» (ص ٦٦)، و «مجموعة المعاني» (ص ١٠٦)، و «ثمار القلوب» (ص ٣٢٧)، و «بهجة المجالس» (١/ ٧٠٩)، و «شرح أبيات مغني اللبيب» (٤/ ٢٦٧)، و «الحماسة البصرية» (٢/ ٥٥)، و «التذكرة الحمدونية» (٥/ ٣٥). ولم أجده مرويًّا لجرير. وانظر «الواضح المبين» (ص ٤٤).
(٢) هو ذيوجانس، كما في «ذم الهوى» (ص ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>