يُريد المحبوبَ، ومنهم من يُريد مراد المحبوب مع إرادته للمحبوب، وهذا أعلى أقسام المحبِّين، وزهدُ هذا أعلى أنواع الزُّهد، فإنَّه قد زهد في كل إرادةٍ تُخالف مُراد محبوبه، وبين هذا وبين الزُّهد في الدُّنيا أعظمُ ممَّا بين السماء والأرض.
والزُّهد خمسةُ [١٠٠ أ] أقسام: زهدٌ في الدُّنيا، وزهدٌ في النَّفس، وزهدٌ في الجاه والرِّئاسة، وزهدٌ فيما سوى المحبوب، وزهدٌ في كلِّ إرادةٍ تُخالف مُراد المحبوب، وهذا إنَّما يحصلُ بكمال المُتابعة لرسول الحبيب.
قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران/٣١] فجعل سبحانه متابعة رسوله سببًا لمحبَّتهم له، وكونُ العبد محبوبًا لله أعلى من كونه محبًّا له، فليس الشأْنُ أن تحبَّ الله، ولكن الشأن أن يُحبَّك الله، فالطاعةُ للمحبوب عنوانُ محبته، كما قيل (١):
تعصي الإله وأنت تزعمُ حبَّه ... هذا مُحالٌ في القياس بديعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته ... إنَّ المُحبَّ لمن يُحِبُّ مُطيعُ
(١) الشعر لمحمود الوراق في العقد الفريد (٣/ ٢١٥)، وزهر الآداب (١/ ٩٨)، والكامل للمبرد (٢/ ٥١٣)، والتمثيل والمحاضرة (ص ١٢). وفي بهجة المجالس (١/ ٣٩٥) لمحمود الوراق وتنسب للشافعي. وتنسب أيضًا لذي الرمة في زيادات الديوان (ص ٦٧٠).