للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علَّقه في حال بُعْدِه (١) عن وطنه، وغَيبته عن كتبه، فما عسى أن يبلغ خاطرُه المكدود (٢) وسعيُه المجهود، مع بضاعته المُزْجاة التي حقيقٌ بحاملها أن يُقال فيه: «تَسمعُ بالمُعَيْدي خيرٌ من أن تراه» (٣). وها هو قد نَصبَ نفسَه هدفًا لسهام الراشقين، وغَرَضًا لأسِنَّةِ الطَّاعنينَ، فلقارئه غُنْمُه، وعَلَى مؤلفه غُرْمُهُ. وهذه بضاعتُه تُعرَضُ عليك، ومَوْلِيَّته تُهدَى إليك، فإنْ صَادفتْ كفؤًا كريمًا لن تَعْدَم منه إمساكًا بمعروفٍ أو تسريحًا بإحسان، وإن صَادفتْ غيرَهُ فالله المستعان، وعليه التُّكلان.

وقد رضي من مهرها بدعوةٍ خالصةٍ إنْ وافقتْ قبولًا واستحسانًا، وَبِرَدٍّ جميلٍ إن كان حظُّها احتقارًا واستهجانًا. والمنصفُ يَهَبُ خطأَ المخطئ لإصابته، وسيئاتِه لحسناتِه.

فهذه سُنَّة الله في عباده جزاءً وثوابًا. ومَن ذا الذي يكون قولُه كلُّه سديدًا، وعملُه كلُّه صوابًا؟ وهل ذلك إلا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ونطقُه وحيٌ يُوحى، فما صحَّ عنه فهو نقلٌ مُصدَّق عن قائل معصوم، وما جاءَ عن غيره فثبوتُ الأمرين فيه مَعدومٌ، فإن صحّ النقل لم يكن القائلُ معصومًا، وإن لم يصحَّ لم يكن وصوله إليه معلومًا.


(١) ت: «بعد».
(٢) ت: «الكدود».
(٣) المثل في «البيان والتبيين» (١/ ١٧١، ٢٣٧)، و «العقد الفريد» (٢/ ٢٨٨)، و «جمهرة الأمثال» (١/ ٢٦٦)، و «مجمع الأمثال» (١/ ١٢٩). يُضرب لمن خبره خير من مرآه.

<<  <  ج: ص:  >  >>