بحسب ما اتَّبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يُعَذَّب به في قلبه، كما قال القائل:
مآربُ كانت في الشَّبابِ لأهلها ... عِذابًا فصارت في المشيبِ عذابا
فلو تأمَّلت حال كل ذي حالٍ سيئةٍ زَرِيَّةٍ، لرأيت بدايتَه الذَّهاب مع هواه، وإيثارَه على عقله، ومن كانت بدايتُه مخالفةَ هواه، وطاعة داعي رُشْده؛ كانت نهايتُه العزَّ والشَّرفَ، والغنى، والجاه عند الله، وعند النَّاس.
قال أبو عليٍّ الدَّقاقُ: من ملك شهوته في حال شبيبته؛ أعزَّه الله
ــ تعالى ــ في حال كهولته. وقيل للمُهلَّب بن أبي صُفْرة: بمَ نلتَ ما نلتَ؟ قال: بطاعة الحَزْم، وعصيانِ الهوى. فهذا في بداية الدُّنيا ونهايتها، وأمَّا الآخرة؛ فقد جعل الله ــ سبحانه وتعالى ــ الجنَّة نهاية من خالف هواه، والنَّارَ نهايةَ من اتَّبع هواه. [١٨٤ ب]
السَّابع والأربعون: أنَّ الهوى رِقٌّ في القلب، وغُلٌّ في العُنُق، وقيدٌ في الرِّجل، ومتابعه أسيرٌ لكلِّ سيئِ الملكة، فمن خالفه عتق من رقِّه، وصار حرًّا، وخلعَ الغُلَّ من عنقه، والقيد من رجله، وصار بمنزلة رجل سَلَمٍ لرجل، بعد أن كان رجلًا فيه شركاء متشاكسون (١).