هواه توارى عنه عقله، فانظر عاقبة من استتر عنه عقلُه، وظهر عليه خلافه. وقال عليُّ بن سهل ــ رحمه الله ــ: العقل والهوى يتنازعان، فالتَّوفيق قرينُ العقل، والخِذلان قرينُ الهوى، والنَّفس واقفة بينهما، فأيُّهما غلب؛ كانت النَّفس معه.
الرَّابع والأربعون: أنَّ الله ــ سبحانه وتعالى ــ جعل القلب ملك الجوارح، ومعدن معرفته، ومحبَّته، [١٨٤ أ] وعبوديته، وامتحنه بسلطانين، وجيشين، وعونين، وعُدَّتين، فالحقُّ، والرشد، والهدى سلطانٌ، وأعوانه الملائكة، وجيشه الصِّدق، والإخلاص، ومجانبة الهوى. والباطل سلطانٌ، وأعوانه الشياطين وجنده، وعُدَّته اتباع الهوى، والنَّفس واقعة بين الجيشين، ولا يقدم جيش الباطل على القلب إلَّا من ثغرها، وناحيتها، فهي تخامر على القلب، وتصير مع عدوِّه عليه، فتكون الدَّائرة عليه، فهي التي تُعطي عدوَّها عُدَّةً من قبلها، وتفتح له باب المدينة، فيدخل، ويتملَّك، ويقع الخِذلان على القلب.
الخامس والأربعون: أنَّ أعدى عدوٍّ للمرء شيطانُه وهواه، وأصدق صديقٍ له عقله، والملك النَّاصح له، فإذا اتَّبع هواه؛ أعطى بيده لعدوِّه، واستأسر له، وأشمته به، وساء صديقُه ووليُّه، وهذا بعينه هو جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
السَّادس والأربعون: أنَّ لكلِّ عبد بدايةً ونهايةً، فمن كانت بدايته اتباع الهوى؛ كانت نهايته الذُّلّ، والصَّغار، والحرمان، والبلاءَ المتنوع