للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومن أقوى أسباب السكر الموجبة له: سماعُ الأصوات المطربة من جهتين: مِنْ جهة: أنَّها في نفسها تُوجب لذَّةً قويةً، ينغمر معها العقل، ومن جهة: أنَّها تُحرِّك النفسَ إلى نحو محبوبها كائنًا ما كان، فيحصُل بتلك الحركة والشوقِ والطلبِ، مع التخيُّل للمحبوب، وإدناءِ صورته إلى القلب واستيلائها على الفكرة لذَّةٌ عظيمةٌ تقهرُ العقل، فتجتمع لذَّةُ الألحان ولذَّة الأشجان، ولهذا يَقْرِنُ المعتنون بهذه اللذَّات سماعَ الألحان بالشراب كثيرًا؛ ليكمل لهم السُّكْر بالشراب، والعشقِ، والصوتِ المُطْرِبِ، فيجدون من لذَّة الوِصال، وسكرِه في هذه الحال ما لا يجدونه بدونها.

فالخمرُ شرابُ الأجسام، والعشق شراب النفوس، والألحانُ شراب الأرواح، ولاسيَّما إذا اقترن بها من الأقوال ما فيه ذكر المحبوب، ووصفُ حال المُحِبِّ على مقتضى الحال التي هو فيها، فيجتمع سماعُ الأصوات الطيِّبة، وإدراكُ المعاني [٥٨ ب] المناسبة، وذلك أقوى بكثيرٍ من اللَّذَّة الحاصلة بكل واحد منها على انفراده، فتستولي اللَّذَّة على النَّفس، والرُّوح، والبدن أتمَّ استيلاء، فيحدث غايةُ السُّكْر. فكيف يدَّعي العذر من تعاطى هذه الأسباب، ويقول: إنَّ ما تولَّد عنها اضطراريٌّ غيرُ اختياريٍّ، وبالله التوفيق (١).


(١) «اضطراري ... التوفيق» ساقطة من ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>