وفسَّره الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أيضًا بالغضب.
وممَّا يدُلُّ على صحَّة ذلك قولُهُ تعالى:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}[يونس/١١] قال السَّلف في تفسيرها: [٥٨ أ] هو الرَّجل يدعو على نفسه وأهله في وقت الغضب من غير إرادةٍ منه لذلك، فلو استجابَ الله دعاءَه؛ لأهلَكه، وأهلك من دعا عليه، ولكن لرحمته لما علم أنَّ الحاملَ له على ذلك سُكْرُ الغضب، لا يُجيب دعاءَه.
ومن هذا قولُ الواجد لراحلته بعد يأْسه منها، وإيقانه بالهلاك: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفرحِ»(١) ولم يكن بذلك كافرًا؛ لعدم قصْدِه.
وذكر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك تحقيقًا لشدَّة الفرح؛ الذي أفضى به إلى ذلك. وإنَّما كانت هذه الأشياء قد تُوجب السكر؛ لأن السُّكر سببُه يُوجب اللذَّة القاهرة؛ التي تغمرُ العقل، وسببُ اللذَّة إدراكُ المحبوب، فإذا كانت المحبَّةُ قويَّةً، وإدراكُ المحبوب قويًّا، والعقلُ ضعيفًا؛ حدث السُّكر، لكن ضعف العقل يكون تارةً من ضعف المحبِّ، وتارةً من قوَّة السَّبب الوارد، ولهذا يَحْصُل من السُّكْر للمبتدئين في إدراك الرئاسة والمال والعشق والخمر ما لا يحصُل لمن اعتادَ ذلك، وتمكَّن فيه.
(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٩)، ومسلم (٢٧٤٧) من حديث أنس.