الثاني: أنَّ تفسيره قد جاء في نفس الحديث: يجهرُ به. هذا لفظُه، قال أحمد: نحن أعلم بهذا من سفيان، إنَّما هو تحسين الصوتِ به، يُحسِّنه ما استطاع.
الثالث: أنَّ هذا المعنى لا يتبادر إلى الفهم من إطلاق هذا اللفظ، ولو احتمله، فكيف وبنية اللفظ لا تحتمله، كما تقدم؟!
وبعد فإذا كان من التغني بالصوت؛ ففيه معنيان:
أحدهما: يجعله له مكان الغناء لأصحابه من محبته له، ولهجه به، كما يحبُّ صاحب الغناء لغنائه.
والثاني: أنَّه يزيِّنه بصوته، ويحسِّنه ما استطاع، كما يُزيِّن المغنّي غناءه بصوته. وكثيرٌ من المحبين ماتوا عند سماع القرآن بالصوت الشَّجي، فهؤلاء قتلى القرآن، لا قتلى عُشاق المُرْدان، ولا النِّسْوان!!
فصل
ومنها: محبَّةُ دار المحبوب وبيته، حتى محبَّةُ الموضع الذي حلَّ به، وهذا هو السرُّ الذي لأجله عكفت القلوب على محبَّة الكعبة البيت الحرام، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجرَ الأوطان والأحباب. ولذَّ لهم فيها السَّفرُ الذي هو قطعةٌ من العذاب، فركبوا الأخطار، وجابوا المفاوز والقفار، واحتملوا في الوصول غاية المشاق، ولو أمكنهم لسَعَوا إليها على الجفون والأحداق.