يأْنس بسواه، وغيرتُه على حُرْمتِه أن يتطلَّع إليها غيره. فالغيرةُ التي يحبُّها الله ورسولُه دارت على هذه الأنواع الثلاثة، وما عداها فإما من خُدَع الشيطان، وإما بلوى من الله، كغيرة المرأة على زوجها أن يتزوَّج عليها.
فإن قيل: فمن أيِّ الأنواع تعُدُّون غيرة فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عليّ بن أبي طالب لمَّا عزم على نكاح ابنة أبي جهل، وغيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها؟
قيل: من الغيرة التي يحبُّها الله ورسوله، وقد أشار إليها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأنها بضعةٌ منه، وأنه يؤذيه ما آذاها، ويُريبه ما أرابها، ولم يكن يَحْسُنُ ذلك الاجتماع ألبتَّة، فإن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[١١٩ ب] لا يحسن أن تجتمع مع بنت عدوّه عند رجل، فإن هذا في غاية المنافرة، مع أن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صهْرَه الذي حدَّثه، فصدَّقه، ووعده فوفى له دليلٌ على أنَّ عليًّا كان كالمشروط عليه في العقد إمَّا لفظًا، وإما عُرْفًا وحالًا ألَّا يُريب فاطمة، ولا يُؤذيها، بل يُمْسكها بالمعروف، وليس من المعروف أن يضُمَّ إليها ابنة عدوِّ الله ورسوله، ويغيظها بها، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إلَاّ أنْ يُريد ابْنُ أبي طالبٍ أنْ يُطلِّق ابْنتي، ويتزوَّجَ ابْنة أبي جهلٍ»(١).
والشَّرطُ العُرْفيُّ الحاليُّ كالشرط اللفظيِّ عند كثير من الفقهاء،
(١) أخرجه البخاري (٩٢٦، ٣١١٠، ومواضع أخرى)، ومسلم (٢٤٤٩) من حديث المسور بن مخرمة.