كنتُ أقول: إنَّ الهوى يستأسرُ مثلك، قال: فإني لأشدُّ تعجُّبًا من تعجُّبك منِّي. ولقد كنت أقول: إنَّ الهوى لا يتمكَّن إلَاّ من صنفين من النَّاس: الشُّعراء والأعراب.
أما الشعراءُ فإنَّهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء، ووصفِهنَّ، والغزل، فمالَ طبعهم إلى [٧٨ أ] النساء، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا إليه منقادين.
وأمَّا الأعراب فإنَّ أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالبُ عليه غير حبِّه لها، ولا يشغلُه عنه شيءٌ، فضعفوا عن دفع الهوى، فتمكَّن منهم. فما رأيتُ نظرةً حالت بيني وبين الحزم، وحسَّنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه.
فتبسَّم عبد الملك، وقال: أوَكلّ هذا قد بلغ بك؟ فقال: والله ما عرتني هذه البليَّةُ قبل وقتي هذا، فوجَّه عبد الملك إلى آل الزُّبير يخطُب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك، فقالت: لا والله أو يُطلِّق نساءه! فطلَّق امرأتين كانتا عنده، وظعن بها إلى الشام، وكان يقول (١):
أليس يزيدُ الشوقُ في كلِّ ليلةٍ ... وفي كلِّ يومٍ من حبيبتنا قُرْبا
خليليَّ ما مِن ساعةٍ تذكُرانِها ... من الدهر إلا فرَّجتْ عنِّي الكرْبا
(١) بعض هذه الأبيات لخالد بن يزيد في «الأغاني» (١٧/ ٣٤٤)، و «زهر الآداب» (١/ ٣٩٣)، و «الكامل» للمبرد (١/ ٤٥٠)، و «الحماسة البصرية» (٢/ ٢٢٨)، و «معجم الأدباء» (٣/ ١٢٤١)، و «وفيات الأعيان» (٢/ ٢٢٤، ٢٢٥).