وذكر المحبوب لا يكون على نسيانٍ مستحكم، فإنَّ ذكره بالقوَّة في نفس المحبِّ، ولكن لضيق المحلِّ يرد عليه ما يُغيِّب ذكره، فإذا زال الوارد؛ عاد الذِّكر كما كان.
وأعلى أنواع ذكر الحبيب أن يحبِس المحبُّ لسانه على ذكره، ثمَّ يحبسُ قلبه على لسانه، ثم يحبسُ قلبَه ولسانه على شهودِ مذكوره. وكما أن الذِّكر من نتائج الحبِّ، فالحبُّ أيضًا من نتائج الذكر، فكلٌّ منهما يُثْمِرُ الآخر، وزرعُ المحبَّة إنَّما يُسْقَى بماء الذِّكر، وأفضلُ الذِّكر ما صدر عن المحبَّة.
فصل
ومن علاماتها: الانقيادُ لأمر المحبوب، وإيثارُه على مراد المُحبِّ، بل يتَّحدُ مرادُ المُحبِّ والمحبوب. وهذا هو الاتِّحاد الصَّحيح، لا الاتحاد الذي يقوله إخوان النَّصارى من الملاحِدة، فلا اتِّحاد إلَّا في المراد، وهذا الاتِّحاد علامة المحبة الصادقة، بحيث يكون مرادُ المحبوب والمحبِّ واحدًا، فليس بمحبٍّ صادقٍ من له إرادةٌ تُخالف مُراد محبوبه منه، بل هذا مريدٌ من محبوبه، لا مريدٌ له، وإن كان مريدًا له؛ فليس مُريدًا لمُراده.
والمحبُّون ثلاثة أقسام: منهم منْ يُريد من المحبوب، ومنهم من