للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفصل النِّزاع بين الفرقتين: أنَّ مبادئ العشق وأسبابَهُ اختياريةٌ داخلةٌ تحت التكليف، فإنَّ النظرَ والتفكُّر والتعرُّض للمحبَّة أمرٌ اختياريٌّ، فإذا أتى بالأسباب كان تَرَتُّبُ المُسبَّبِ عليها بغير اختياره، كما قيل (١):

تَوَلَّعَ بالعِشْق حتى عَشِقْ ... فلما استقلَّ بهِ لَمْ يُطِقْ

رأى لُجَّةً ظنَّها مَوْجَةً ... فلمَّا تمكَّن منها غَرِقْ

ولما رأى أدْمُعًا تَسْتَهلّ ... وأبصر أحشاءه تحترقْ (٢)

تمنَّى الإقالةَ مِنْ ذنبه ... فلم يستطعْها ولم يسْتفقْ

وهذا بمنزلة السُّكر مع شُرْب الخمر، فإنَّ تناوُلَ المُسكر اختياريٌّ، وما يتولَّد عنه من السُّكر اضطراريٌّ، فمتى كان السببُ واقعًا باختياره لم يكن معذورًا فيما تولَّد عنه بغير اختياره، فمتى كان السببُ محظورًا لم يكن السَّكرانُ معذورًا.

ولا ريبَ أنَّ متابعة النظر، واستدامةَ الفكر بمنزلة شُرب المُسكر، فهو يُلام على السَّبب، ولهذا إذا حصلَ العِشْقُ بسببٍ غير محظورٍ؛ لم يُلَمْ عليه صاحبُه، كمن كان [٥٦ ب] يعشقُ امرأتَه، أو جاريته، ثم فارقها، وبقي عشقُها غير مفارقٍ له، فهذا لا يُلام على ذلك، كما تقدَّم في قصَّة بَرِيرَة ومُغِيث.


(١) الأبيات بلا نسبة في «ذم الهوى» (ص ٥٨٦)، و «ديوان الصبابة» (ص ٥٤).
(٢) هذا البيت لم يرد في النسختين، والزيادة من «ذم الهوى» ليستقيم المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>