فهو أنيسُه، وجليسه، لا يستأنسُ بسواه، فهو مستوحشٌ مِمَّن يَشْغَلُهُ عنه. وحدَّثني تقيُّ الدِّين بن شُقير، قال: خرج شيخُ الإسلام ابن تيمية يومًا، فخرجتُ خلفه، فلما انتهى إلى الصحراء، وانفرد عن الناس بحيثُ لا يراه أحد؛ سمعته يتمثَّل بقول الشاعر (١):
وأخرُج من بين البيوت لعلَّني ... أحدِّث عنك القلب بالسِّرِّ خاليا
فخلوةُ المحب بمحبوبه هي غاية أُمنيَّته، فإن ظفر بها؛ وإلَّا خلا به في سرِّه، وأوحشه ذلك من الأغيار.
وكان قيسُ بن المُلوَّح إذا رأى إنسانًا هرب منه، فإذا أراد أن يدنو منه ويحادثه؛ ذكر له ليلى وحديثها، فيأنَسُ به، ويسكنُ إليه.
وينبغي للمحبِّ أن يكون من الناس كما قال يوسف لإخوته، وقد طلب منهم أخاهم:{فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}[يوسف/٦٠].
إذا لم تكن فيكُنَّ سُعدى فلا أرى ... لكنَّ وُجوهًا أو أُغيَّبَ في لَحْدي
فصل
ومنها: استكانةُ المحبِّ لمحبوبه، وخضوعُه، وذلُّه له، والحبُّ
(١) البيت للمجنون في ديوانه (ص ٢٩٤، ٣٠١، ٣١٤) من قصيدة طويلة، وهناك التخريج وبيان اختلاف النسبة.