للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن المبارك (١):

ومن البلاء وللبلاء علامةٌ ... ألَّا يُرَى لك عن هواك نُزُوعُ

العَبْد عبد النَّفْسِ في شَهَواتِها ... والحُرُّ يشبَع تارةً ويجوعُ

الثامن والأربعون: أنَّ مخالفة الهوى تُقيم العبد في مقام من لو أقسم على الله؛ لأبرَّه، فيقضي له من الحوائج أضعافَ أضعافِ ما فاته من هواه، فهو كَمَن رَغِبَ عن بعرة، فأُعطيَ عوضها دُرَّةً. ومُتَّبعُ الهوى يفوته من مصالحه العاجلة والآجلة والعيش الهنيء مالا نسبة لِمَا ظَفِرَ به من هواه البتَّةَ. فتأمَّل انبساط يد يوسف الصِّديق ــ عليه الصلاة والسلام ــ ولسانه، وقدمِه، ونفسِه بعد خروجه من السِّجن لمَّا قبض نفسَه عن الحرام.

قال عبد الرحمن بن مهدي (٢): رأيت سفيان الثوري ــ رحمه الله ــ في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: لم يكن إلَّا أني وضعت في لحدي حتى وقفت بين يدي الله ــ تبارك وتعالى ــ فحاسبني حسابًا يسيرًا، ثمَّ أمر بي إلى الجنَّة، فبينا أنا أدور بين أشجارها وأنهارها، لا أسمع حِسًّا ولا حركةً؛ إذ سمعتُ قائلاً يقول: سفيانُ بن سعيد؟! فقلتُ: سفيان بن سعيد! فقال: تحفظ أنَّك آثرت الله ــ عزَّ وجلَّ ــ على هواك


(١) كما في ذم الهوى (ص ٣٤). وله وقيل لغيره في بهجة المجالس (٢/ ٣٠٦).
(٢) ذم الهوى (ص ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>