للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهما خلف شجرةٍ ينظر إليها، فبصُر كلٌّ منهما بالآخر، فأفشى كلٌّ منهما سرَّه إلى صاحبه، فاتفقا على أن يراوداها، فلما قربت منهما؛ قالا لها: قد عرفت منزلتنا في بني إسرائيل، وإنَّك إن لم تؤاتينا، وإلَّا قلنا إذا أصبحنا: إنَّا أصبنا معكِ رجلًا، وإنَّه أفلتنا، وإنَّا أخذناك. فقالت: ما كنتُ لأطيعكما في معصية الله، فأخذاها، وقالا: إنَّا أصبنا معها رجلًا فأفلتنا وأقبل نبيٌّ من أنبيائهم، فوضعوا له كرسيًّا، فجلس عليه، وقال: أقضي بينكم؟ فقالا: نعم! اقضِ بيننا، ففرَّق بين الرَّجلين، وقال لأحدهما: خلف أي شجرةٍ رأيتَها؟ قال: شجرة كذا وكذا. وقال للآخر، فقال: شجرة كذا وكذا ــ غير الَّذي ذكر صاحبه ــ ونزلت نارٌ من السماء، فأحرقتهما، وأَفلتتِ المرأة.

وقال عبد الله بن المبارك (١): عشق هارون الرشيد جاريةً من جواريه، فأرادها، فقالت: إنَّ أباك مسَّني، فشُغِفَ بها، وقال:

أرى ماءً وبي عطشٌ شديدٌ ... ولكن لا سبيل إلى الوُرود

أما يكفيك أنَّك تملكيني ... وأنَّ النَّاس عندي كالعبيد

وأنك لو قطعتِ يدي ورجلي ... لقلتُ من الرضا أحسنتِ زيدي

فسأل أبا يوسف [١٧٧ ب] عن ذلك، فقال: أو كلَّما قالت جاريةٌ شيئًا تصدِّق؟ قال ابنُ المبارك: فلا أدري ممَّن أعجب، من هارون حيث


(١) أخرج عنه ابن الجوزي (ص ٢٧٦). وسبق بيتان منها، وهناك التخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>