قيل: هذا قد قاله جماعةٌ من المفسرين، وخالفهم في ذلك آخرون أجلُّ منهم، وقالوا: إنَّ هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف عليه السلام. والصواب معهم؛ لوجوه:
أحدها: أنه متصل بكلام المرأة، وهو قولها: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف/٥١ ــ ٥٣] ومن جعله من كلامه؛ فإنه يحتاج إلى إضمار قول لا دليل في اللفظ عليه بوجهٍ، والقول في مثل هذا لا يحذف لئلا يوقع في اللَّبْس، فإن غايته أن يحتمل الأمرين، فالكلام الأوَّلُ أولى به قطعًا.
الثاني: أنَّ يوسف لم يكن حاضرًا وقت مقالتها هذه، بل كان في السِّجن لمَّا تكلمت بقولها:{الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}[يوسف/٥١] والسياق صريحٌ في ذلك، فإنه لما أرسل الملك إليه يدعوه؛ قال للرسول:{قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}[يوسف/٥٠] فأرسل إليهنَّ الملك، وأحضرهنَّ، وسألهنَّ، وفيهنَّ امرأتُه، فشهدنَ ببراءته، ونزاهته في غيبته، ولم يُمكِنْهنَّ إلَاّ قولُ الحق، فقال النسوة:{حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}[يوسف/٥١]. وقالت المرأة:{أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف/٥١].