فإن قيل: لكن قوله: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف/٥٢] الأحسنُ أن يكون من كلام يوسف، أي: إنما كان تأخري عن الحضور مع رسوله؛ [١٢١ ب] ليعلم الملكُ: أنِّي لم أَخنه في امرأته في حال غيبته، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - قال:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[يوسف/٥٣]. وهذا من تمام معرفته - صلى الله عليه وسلم - بربه، ونفسه، فإنه لما أظهر براءته ونزاهته مما قُذِف به؛ أخبر عن حال نفسه، وأنه لا يزكيها، ولا يبرئها، فإنها أمارةٌ بالسوء، لكن رحمةُ ربه، وفضله هو الذي عصمه، فردَّ الأمر إلى الله بعد أن أظهر براءته.
قيل: هذا وإن كان قد قاله طائفةٌ؛ فالصوابُ: أنه من تمام كلامها، فإن الضمائر كلها في نسق واحد تدلُّ عليه، وهي قول النسوة:{مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}[يوسف/٥١] وقول امرأة العزيز: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف/٥١].
فهذه خمسةُ ضمائر بين بارزٍ ومستتر، ثم اتَّصل بها قوله:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}[يوسف/٥٢] فهذا هو المذكور أوَّلًا بعينه، فلأيّ شيء يفصل الكلام عن نظمه ويُضْمرُ فيه قولٌ لا دليل عليه؟
فإن قيل: فما معنى قولها: {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}[يوسف/٥٢]؟
قيل: هذا من تمام الاعتذار، قرنت الاعتذار بالاعتراف، فقالت: