بالخروج عن رؤية المحبة إلى رؤية المحبوب. وفي بعض الآثار الإلهية: عبد ي! أنا وحقك لك مُحب! فبحقي عليك كن لي محبًّا. وقال عبد الله بن المبارك: من أُعطي شيئًا من المحبة، ولم يعط مثله من الخشية؛ فهو مخدوعٌ.
وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلةٍ من الحُبِّ أحبُّ إليَّ من عبادة سبعين سنة بلا حب.
وقال أبو بكر الكتَّاني (١): جرت مسألةٌ في المحبة بمكة أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سنًّا، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي! فأطرق رأْسه، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهبٌ عن نفسه، مُتَّصل بذكر ربه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوارُ هويته، وصفا شربه من كأس وده، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكت فمع الله. فهو بالله، ولله، ومع الله، فبكى الشيوخ، وقالوا: ما على هذا مزيد، جزاك الله يا تاج العارفين!
وقيل: أوحى الله إلى داود ــ عليه السلام ــ: يا داودُ! إني حرمتُ على القلوب أن يدخلها حبي وحبُّ غيري.
وأجمع العارفون كلهم: أن المحبة لا تصحُّ إلا بالموافقة، حتَّى قال بعضهم: حقيقة المحب موافقة المحبوب في مراضيه، ومساخطه،