والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مثقال ذرَّةٍ من هذه اللَّذة لا يُعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا؛ وكذلك كان أدنى مثقال ذرَّةٍ من إيمانٍ بالله ورسوله يُخَلِّص من الخلود في دار الآلام، فكيف بالإيمان الذي يمنعُ دخولها؟
قال بعض العارفين: من قرَّت عينهُ بالله؛ قرَّت به كلُّ عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله؛ تقطَّعت نفسه حسرات على الدنيا، ويكفي في فضل هذه اللذَّة وشرفها: أنَّها تُخرج من القلب ألمَ الحسرة على ما يفوت من هذه الدنيا، حتى إنَّه ليتألَّم بأعظم ما يلتذُّ به أهلُها، ويفِرُّ منه فرارهم من المؤلم. وهذا موضعٌ الحاكمُ فيه الذوقُ، لا مجرَّدُ لسان العلم.
وكان بعضُ العارفين يقول: مساكين أهل الدُّنيا، [٦٣ أ] خرجوا من الدنيا، ولم يذوقوا أطيبَ نعيمها، فيقال له: وما هو؟ فيقول: محبَّةُ الله، والأنسُ به، والشَّوقُ إلى لقائه، ومعرفة أسمائه وصفاته.
وقال آخر: أطيبُ ما في الدُّنيا: معرفتُه، ومحبَّتُه، وألذُّ ما في الآخرة: رؤيتُه، وسماعُ كلامه بلا واسطة.
وقال آخر: والله إنَّه ليَمُرُّ بالقلب أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهل الجنَّة في مثل هذه الحال إنَّهم لفي عيش طيِّب. وأنت ترى محبَّة من في محبَّتِه عذاب القلب والرُّوح؛ كيف تُوجب لصاحبها لذَّةً يتمنَّى: أنَّه لا يُفارقه حبُّه؟