للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنتَ متى أرسلْتَ طَرْفَك رائدًا ... لقلبِكَ يومًا أتعَبَتْك المناظرُ

رأيتَ الذي لا كلُّه أنتَ قادرٌ ... عليه ولا عَنْ بعضِه أنتَ صابرُ

والنَّظرة تفعلُ في القلب ما يفعلُ السَّهم في الرَّميَّة، فإن لم تقتله جرحتْه، وهي بمنزلة الشَّرارة من النَّار تُرْمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقْه كلَّه؛ أحرقتْ بعضَه، كما قيل (١):

كلُّ الحوادث مَبْداها من النَّظر ... ومُعْظَمُ النَّار من مُسْتَصْغَرِ الشَّررِ

كم نظرةٍ فتكَتْ في قلبِ صاحبها ... فَتْكَ السِّهام بلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ

والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَلِّبُهَا ... في أعينِ الغيدِ موقوفٌ على الخطرِ

يَسُرُّ مقلتَه ما ضرَّ مهجتَه ... لا مرحبًا بسرورٍ عاد (٢) بالضَّرر

والناظر يَرْمي مَنْ نظرَه بسهامٍ غَرَضُها قلبُه وهو لا يَشْعُر، فهو إنما يرْمي قلبَه. ولي من أبيات (٣):

يا راميًا بسهام اللَّحْظِ مُجتهدًا ... أنتَ القتيلُ بِما ترمي فلا تُصبِ

وباعثَ الطَّرفِ يَرتَادُ الشِّفاءَ له ... تَوقَّهُ إنَّه يأْتيكَ بالعَطَب


(١) الأبيات بلا نسبة في «ديوان الصبابة» (ص ٨٧). والأولان ذكرهما المؤلف في «بدائع الفوائد» (ص ٨١٧، ١٢١٢)، «والداء والدواء» (ص ٢٢٤).
(٢) ت: «جاء».
(٣) البيتان من قصيدة للمؤلف في «بدائع الفوائد» (ص ٨١٨ - ٨١٩). وفي «الفوائد» (ص ١٠٧ - ١٠٩) ما عدا هذين البيتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>