للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذكرنا من فتاويه ما يُبيِّن: أنَّ هذه كذب.

وأمَّا ما ذكرتُم من مسألة التزام أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما؛ فنحن لا ننكر هذه القاعدة، بل هي من أصحِّ قواعد الشريعة، ولكنَّ الشأن في إدخال هذه الصورة فيها، ونحن نحاكمكم إلى هذه القاعدة نفسها، فإنَّ احتمال مفسدة ألم الحبِّ مع غضِّ البصر، وعدم تقبيل المحبوب، وضمِّه، ونحو ذلك أقلّ من مفسدة النَّظر والتَّقبيل، فإنَّ هذه المفسدة تَجُرُّ إلى هلاك القلب وفساد الدين، وغايةُ ما يُقَدَّر من مفسدة الإمساك عن ذلك سقمُ الجسد، أو الموتُ تفاديًا عن التعرُّض للحرام، [٥١ أ] فأين إحدى المفسدتين من الأخرى؟ على أنَّ النظر، والقُبلة، والضمَّ لا يمنع السُّقم والموت الحاصل بسبب الحبِّ، فإنَّ الْعِشْقَ يزيدُ بذلك، ولا يزول.

فما صبابَةُ مشتاقٍ على أمَلٍ ... من الوِصال كمشتاقٍ بلا أمَلِ (١)

ولا ريب أنَّ محبَّة من طَمِعَ أقوى من محبَّة من يئس من محبوبه، ولهذا قيل:

وأبرحُ ما يكونُ الحبُّ يومًا ... إذا دَنتِ الدِّيارُ من الدِّيارِ (٢)

فإن قيل: فقد أباح الله سبحانه للمُضطر الميتةَ، والدَّمَ، ولحمَ


(١) البيت للمتنبي في «ديوانه» (٣/ ١٩٩).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>