للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، كما في الحديث الصحيح (١): «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بِهِنَّ حلاوة الإيمان: من كان الله ورسُولُهُ أحبَّ إليهِ ممَّا سواهُما، ومن كان يُحب المرءَ لا يُحِبّهُ إلَاّ لله، ومنْ كان يكرهُ أن يرجع في الكُفرِ بعد إذ أنْقذَهُ الله منهُ، كما يكره أن يُلقَى في النَّار».

فأخبر أنَّ العبد لا يجدُ حلاوة الإيمان إلا بأن يكون الله أحبَّ إليه ممَّا سواه، ومحبَّته رسوله هي من محبته، ومحبَّة المرء إن كانت لله؛ فهي من محبَّة الله، وإنْ كانت لغير الله؛ فهي مُنقصةٌ لمحبَّة الله، مُضْعِفةٌ لها، وتصدُق هذه المحبَّة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى محبوبه ــ وهو الكفر ــ بمنزلة كراهيته لإلقائه في النَّار أو أشدَّ.

ولا ريب أنَّ هذا من أعظم المحبة، فإنَّ الإنسان لا يقدِّم على محبَّة [٧٥ ب] نفسه وحياته شيئًا، فإذا قدَّم محبَّة الإيمان بالله على نفسه، بحيث لو خُيِّر بين الكفر وإلقائه في النَّار؛ لاختار أن يُلقى في النَّار، ولا يكفر؛ كان الله أحبَّ إليه من نفسه، وهذه المحبَّةُ فوق ما يجده سائر العُشَّاق والمُحبِّين من محبَّة محبوبهم، بل لا نظير لهذه المحبَّة، كما لا مثل لمن تعلَّقتْ به، وهي محبَّةٌ تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس، والمال، والولد، وتقتضي كمال الذُّل، والخضوع، والتعظيم، والإجلال، والطاعةِ، والانقياد ظاهرًا وباطنًا، وهذا لا نظير له في محبَّة مخلوقٍ،


(١) أخرجه البخاري (١٦، ٢١)، ومسلم (٤٣) من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>