هذا المُعتذر، بل كان المبادرة إلى امتثال أوامره - صلى الله عليه وسلم - أولى بهم، ولو كانوا محسنين في التأخير، لما اشتدَّ غضبُه عليهم، ولكان أولى منهم بانتظار الناسخ، بل هذا من سعيهم المغفور، الذي غفره الله لهم بكمال إيمانهم، ونُصْحهم لله ورسوله، وعذَرهم الله سبحانه، لقوَّة الوارد وضعفهم عن حمله، حتى لم يحتمله عمر في قوَّته، وشدَّته، واحتمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وكان جوابُهما من مشكاةٍ واحدة.
ولما احتمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الحكم الكونيَّ الأمرِيَّ؛ الذي حكم الله له به، ورضي به، وأقرَّ به، ودخل تحته طوعًا [١٠٨ أ] وانقيادًا ــ وهو الفتحُ الذي فتح الله له ــ أثابه الله عليه بأربعة أشياء: مغفرةِ ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وإتمام نعمته عليه، وهدايته صراطًا مستقيمًا، ونصرِ الله له نصرًا عزيزًا.
وبهذا يقع جوابُ السؤال الذي أورده بعضهم هاهنا، فقال: كيف يكون حكم الله له بذلك عِلَّةً لهذه الأمور الأربعة؛ إذ يقول تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية [الفتح/١ ــ ٢].
وجوابه ما ذكرنا: أن تسليمه لهذا الحكم، والرِّضا به، والانقياد له، والدخول تحته؛ أوجب له أنْ آتاه الله ذلك.
والمقصودُ إنَّما هو ذكر الاتفاق بين المحبِّ والمحبوب، وهذا الذي جرى للصِّدِّيق من أحسن الموافقة، ومن هذا موافقة عمر بن الخطاب لربِّه في عدَّة أُمورٍ قالها، فنزل بها الوحيُ كما قالها.