فلما قرأ خالد الأبيات؛ علم صدق قوله، فأحضر أولياء الجارية، فقال: زوجوا يزيد فتاتكم! فقالوا: أما وقد ظهر عليه ما ظهر؛ فلا، فقال: لئن لم تزوجوه طائعين؛ لتزوجنه كارهين! فزوَّجوه، ونقد خالدٌ المهر من عنده.
وذكر أبو العباس المبرد (١)، قال: كان رجل بالكوفة يدعى ليث بن زياد وقد ربَّى جاريةً، وأدَّبها، فخرجت بارعةً في كل فن مع جمال وافرٍ، فلم يزل معها مدة، حتى تبينت منه الحاجة، [١٤٧ ب] فقالت: يا مولاي! لو بعتني كان أصلح لك مما أراك به، وإن كنتُ لأظنُّ أني لا أصبرُ عنك، فقصد رجلًا من الأغنياء يعرفها، ويعرف فضلها، فباعها بمئة ألف درهم، فلما قبض المال؛ وجَّه بها إلى مولاها، وجزع عليها جزعًا شديدًا، فلما صارت الجارية إلى سيدها؛ نزل بها من الوحشة للأول ما لم تستطع دفعه، ولا كتمه، فباحت به، وقالت:
أتاني البلا حقًّا فما أنا صانع ... أمصطبرٌ للبين أم أنا جازع
كفى حزنًا أني على مثل جمرة ... أقاسي نجوم الليل والقلب نازعُ
فإن يمنعوني أن أموت بحبه ... فإني قتيلٌ والعيونُ دوامع
فبلغ سيدها شعرها، فدعا بها، وأرادها، فامتنعت عليه، وقالت له: يا سيدي! إنك لا تنتفع بي، قال: ولم ذاك؟ قالت: لما بي، قال: وما
(١) أخرج عنه الخرائطي (ص ٢٣٨ - ٢٣٩). والخبر بسياق آخر في أمالي القالي (٢/ ٢١ - ٢٢). وانظر سمط اللآلي (٢/ ٦٥٥ - ٦٥٦).