للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدخلًا، ولا إليه طريقًا إلا من هواه. فلذلك كان الذي يخالف هواه يفرقُ الشيطان من ظله. وإنما يُطاق مخالفةُ الهوى بالرغبة في الله وثوابه، والخشية من حجابه وعذابه، ووجد حلاوة الشفاء في مخالفة الهوى، فإن متابعته الداءُ الأكبر، ومخالفته الشفاء الأعظم.

قيل لأبي القاسم الجنيد: متى تنال النفوس مُناها؟ فقال: إذا صار داؤها دواءها، فقيل له: ومتى يصير داؤُها دواءها؟ فقال: إذا خالفت هواها. ومعنى قوله: يصير داؤها دواءها: أن داءها هو الهوى، فإذا خالفته؛ تداوت منه بمخالفته.

وقد قيل: إنه إنما سمي هوًى؛ لأنه يهوي بصاحبه إلى أسفل السافلين. والهوى ثلاثة أرباع الهوان، وهو شارع النار الأكبر، كما أن مخالفته شارع الجنة الأعظم. وقال أبو دُلفٍ العجلي (١):

واسوأتا لفتًى له أدبٌ ... يُضحي هواهُ قاهرًا أدبه

يأتي الدَّنيَّة وهو يعرفها ... فيشينُ عرضًا صائنًا أربهُ

فإذا ارْعوى عادتْ بصيرتُه ... فبكى على الخير الذي سُلِبَه

وقال ابنُ المُرتفق الهُذَليُّ (٢):


(١) كما في اعتلال القلوب (ص ٧٠).
(٢) كذا في ت، وسقط الاسم من نسخة ش. والصواب «البُريق الهذلي»، والبيتان له في شرح أشعار الهذليين (٢/ ٧٥٨)، وعيون الأخبار (١/ ٣٨)، واعتلال القلوب (ص ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>