ولمَّا كان الكفار في سجن الكفر والشرك وضيقه، وكانوا كلَّما همُّوا بالخروج منه إلى فضاء الإيمان وسعته وروحه؛ رجعوا على حوافرهم؛ كانت عقوبتهم في الآخرة كذلك، قال الله تعالى:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}[السجدة/ ٢٠] وقال في موضع آخر: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا}[الحج/ ٢٢] فالكفرُ والمعاصي، والفسوق [١٦٩ أ] كلُّه غموم، وكلَّما عزم العبد أن يخرج منه؛ أبت عليه نفسه وشيطانه ومألفُه، فلا يزالُ في غمِّ ذلك حتَّى يموت، فإن لم يخرج من غمِّ ذلك في الدنيا؛ بقي في غمِّه في البرزخ، وفي القيامة، وإن خرج من غمِّه، وضيقه هاهنا؛ خرج منه هناك، فما حبس العبد عن الله في هذه الدَّار حبسه عنه بعد الموت، وكان معذَّبًا به هناك كما كان قلبه معذبًا به في الدنيا، فليس الفسَّاق والفجرة والظَّلمة في لذَّةٍ في هذه الدار، وإنَّما هم مُعذبون فيها وفي البرزخ وفي القيامة، ولكن سكر الشَّهوة وموت القلوب حال بينهم وبين الشعور بالألم، فإذا حيل بينهم وبين ما يشتهون؛ أحضرت نفوسُهم الألمَ الشديد، وصار يعمل فيها بعد الموت نظير ما يعمل الدود في لحومهم. فالآلام تأكل أرواحهم، غيرَ أنَّها لا تفنى، والدُّودُ يأكل جسومهم.
قال الإمام أحمد (١) ــ رضي الله عنه ــ: حدَّثنا إسماعيل بن عبدالكريم،