للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة عن السَّعي مع الناجين، كما صرع قلبه في الدُّنيا عن مرافقتهم. قال محمد بن أبي الورد (١): إنَّ لله ــ عزَّ وجلَّ ــ يومًا لا ينجو من شرِّه منقادٌ [١٨٣ أ] لهواه، وإنَّ أبطأ الصَّرعى نهضةً يوم القيامة صريعُ شهوته، وإنَّ العقول لمَّا جرت في ميادين الطَّلب؛ كان أوفرُها حظًّا من يُطالبها بقدر ما صحبه من الصَّبر. والعقل معدنٌ، والفكر معوَّل.

الثامن والثلاثون: أنَّ اتباع الهوى يحلُّ العزائم، ويوهنها، ومخالفته تشدُّها وتقويها، والعزائم هي مركب العبد الَّذي يسيره إلى الله والدَّار الآخرة، فمتى تعطَّل المركوب؛ أوشك أن ينقطع المسافر. قيل ليحيى ابن معاذ (٢): من أصحُّ الناس عزمًا؟ قال: الغالب لهواه.

ودخل خلف بن خليفة (٣) على سليمان بن حبيب بن المهلَّب، وعنده جاريةٌ يقال لها: البدر، من أحسن النَّاس وجهًا، فقال له سليمان: كيف ترى هذه الجارية؟ فقال: أصلح الله الأمير! ما رأت عيناي أحسنَ منها قطُّ! فقال له: خذ بيدها! فقال: ما كنت لأفجعَ الأمير بها، وقد رأيت شدَّة عجبه بها! فقال: ويحك! خذها على شدَّة عجبي بها؛ ليعلم هوايَ أنِّي له غالبٌ. وأخذ بيدها، وخرج وهو يقول:

لقد حباني وأعطاني وفضَّلني ... عن غير مسألةٍ منه سليمان


(١) كما في ذم الهوى (ص ٢٥).
(٢) المصدر السابق (ص ٢٦).
(٣) ذم الهوى (ص ٢٦ - ٢٧)، وأمالي اليزيدي (ص ١٥١، ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>