للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَاهَا بل مُرَاده أَنه أنزل الْمذَاهب كلهَا فِي منزلَة النّظر وَالِاعْتِبَار غير متعصب لوَاحِد مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يكون عِنْده ميل يَقُودهُ إِلَى مَذْهَب معِين من غير برهَان ثمَّ توضح لَهُ الْحق وَأَنه الْإِسْلَام فَكَانَ على هَذِه الْملَّة عَن اجْتِهَاد وبصيرة لَا عَن تَقْلِيد وَلَا يخفى أَن هَذَا مقَام عَظِيم لَا يتهيأ إِلَّا لمثل هَذَا الإِمَام وَلَيْسَ يسمع بِهِ لكل أحد فَإِن غائلته تخشى إِلَّا على من برز فِي الْعُلُوم وَبلغ فِي صِحَة الذِّهْن مبلغ هَذَا الرجل الْعَظِيم فأرشد إِلَى أَن الَّذِي يَنْبَغِي عدم الْخَوْض فِي هَذَا وَاسْتِعْمَال دين الْعَجَائِز

ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه مَعَ بُلُوغه هَذَا الْمبلغ وَأَخذه الْحق عَن الِاجْتِهَاد والبصيرة لَا يَأْمَن مكر الله بل يعْتَقد أَن الْحق إِن لم يُدْرِكهُ بِلُطْفِهِ وَيخْتم لَهُ بِكَلِمَة الْإِخْلَاص فالويل لَهُ وَلَا يَنْفَعهُ إِذْ ذَاك علومه وَإِن كَانَت مثل مدد الْبَحْر

فَانْظُر هَذِه الْحِكَايَة مَا أحْسنهَا وأدلها على عَظمَة هَذَا الإِمَام وتسليمه لرَبه تَعَالَى وتفويضه الْأَمر إِلَيْهِ وَعدم اتكاله على علومه ثمَّ تعجب بعْدهَا من جَاهِل يفهم مِنْهَا غير المُرَاد ثمَّ يخبط خبط عشواء

وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَيْضا أَنه سمع أَبَا الْعَلَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ بأصبهان ذكر عَن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن القيرواني الأديب بنيسابور وَكَانَ مِمَّن يخْتَلف إِلَى درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي يَقُول لَا تشتغلوا بالْكلَام فَلَو عرفت أَن الْكَلَام يبلغ بِي مَا بلغ مَا اشتغلت بِهِ

قلت أَنا يشبه أَن تكون هَذِه الْحِكَايَة مكذوبة وَابْن طَاهِر عِنْده تحامل على إِمَام الْحَرَمَيْنِ والقيرواني الْمشَار إِلَيْهِ رجل مَجْهُول ثمَّ هَذَا الإِمَام الْعَظِيم الَّذِي مَلَأت تلامذته الأَرْض لَا ينْقل هَذِه الْحِكَايَة عَنهُ غير رجل مَجْهُول وَلَا تعرف من غير طَرِيق

<<  <  ج: ص:  >  >>