قَالُوا لَو جَازَت الْكَرَامَة لاشتبهت بالمعجزة فَلَا تبقى للمعجزة دلَالَة على ثُبُوت النُّبُوَّة
وَالْجَوَاب منع الِاشْتِبَاه وَهَذَا لِأَن المعجزة مقرونة بِدَعْوَى النُّبُوَّة وَلَا كَذَلِك الْكَرَامَة بل الْكَرَامَة مقرونة بالانقياد للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتصديقه وَالسير على طَرِيقه
وَقَوْلهمْ إِنَّمَا دلّت المعجزة على تَصْدِيق النبى من حَيْثُ انخراق الْعَادة فَكَذَلِك الْكَرَامَة كَلَام سَاقِط فَإِن مُجَرّد خرق الْعَادة لَيْسَ الْمُقْتَضى للنبوة وَلَو دلّ خرق الْعَادة على النُّبُوَّة بِمُجَرَّدِهِ لوَجَبَ أَن تدل أَشْرَاط السَّاعَة وَمَا سَيظْهر مِنْهَا على ثُبُوت نبوة إِذْ العوائد تنخرق بهَا وَمن أعظم الْبَدَائِع فطْرَة السَّمَوَات والنشأة الأولى ثمَّ لم تقتض بَدَائِع الْفطْرَة فى نشأة الْخلق ثُبُوت نبى فاستبان أَن مُجَرّد خرق الْعَادة لَا يدل إِذْ لَو دلّ لاطرد بل لابد مَعَه من التحدى فَلَا اشْتِبَاه للكرامة بالمعجزة وَأَيْضًا فالمعجزة يجب على صَاحبهَا الإشهار بِخِلَاف الْكَرَامَة فَإِن مبناها على الْإخْفَاء وَلَا تظهر إِلَّا على الندرة وَالْخُصُوص لَا على الْكَثْرَة والعموم وَأَيْضًا فالمعجزة تجوز أَن تقع بِجَمِيعِ خوارق الْعَادَات والكرامات تخْتَص بِبَعْضِهَا كَمَا بَيناهُ من كَلَام القشيرى وَهُوَ الصَّحِيح ولسنا نجوز ولدا إِلَّا من أبوين وَلَا نَحْو ذَلِك كَمَا سنستقصى القَوْل فِيهِ
شُبْهَة ثَالِثَة لَهُم وَوجه الِانْفِصَال عَنْهَا
قَالُوا لَو ظَهرت لولى كَرَامَة لجَاز الحكم لَهُ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ أَنه يملك حَبَّة من الْحِنْطَة أَو فلسًا وَاحِدًا من الْفُلُوس من غير بَيِّنَة لظُهُور دَرَجَته عِنْد الله تَعَالَى الْمَانِعَة من كذبه لَا سِيمَا فى هَذَا النزر الْيَسِير لكنه بَاطِل لإِجْمَاع الْمُسلمين الْمُؤَيد بقول رَسُول رب الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ الْبَيِّنَة على الْمُدعى وَالْيَمِين على من أنكر