وَذَلِكَ أَن النّيل كَانَ فى الْجَاهِلِيَّة لَا يجرى حَتَّى تلقى فِيهِ جَارِيَة عذراء فى كل عَام فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَجَاء وَقت جَرَيَان النّيل فَلم يجر أَتَى أهل مصر عَمْرو بن الْعَاصِ فأخبروه أَن لنيلهم سنة وَهُوَ أَنه لَا يجرى حَتَّى تلقى فِيهِ جَارِيَة بكر بَين أَبَوَيْهَا وَيجْعَل عَلَيْهَا من الحلى وَالثيَاب أفضل مَا يكون فَقَالَ لَهُم عَمْرو بن الْعَاصِ إِن هَذَا لَا يكون وَإِن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله فأقاموا ثَلَاثَة أشهر لَا يجرى قَلِيلا وَلَا كثيرا حَتَّى هموا بالجلاء فَكتب عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى عمر بن الْخطاب بذلك فَكتب إِلَيْهِ عمر قد أصبت إِن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله وَقد بعثت إِلَيْك بطاقة فَأَلْقِهَا فى النّيل فَفتح عَمْرو البطاقة قبل إلقائها فَإِذا فِيهَا من عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى نيل مصر أما بعد فَإِن كنت تجرى من قبلك فَلَا تجر وَإِن كَانَ الله الْوَاحِد القهار هُوَ الذى يجريك فنسأل الله الْوَاحِد القهار أَن يجريك فَألْقى عَمْرو البطاقة فى النّيل قبل يَوْم الصَّلِيب وَقد تهَيَّأ أهل مصر للجلاء وَالْخُرُوج مِنْهَا فَأَصْبحُوا وَقد أجراه الله سِتَّة عشر ذِرَاعا فى لَيْلَة
فَانْظُر إِلَى عمر كَيفَ يُخَاطب المَاء ويكاتبه ويكلم الأَرْض ويؤدبها وَإِذا قَالَ لَك الْمَغْرُور أَيْن أصل ذَلِك فى السّنة قل أَيهَا المتعثر فى أذيال الجهالات أيطالب الْفَارُوق بِأَصْل وَإِن شِئْت أصلا فهاك أصولا لَا أصلا وَاحِدًا أَلَيْسَ قد حن الْجذع إِلَى الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ضمه إِلَيْهِ أَلَيْسَ شكى إِلَيْهِ الْبَعِير مَا بِهِ أَلَيْسَ فى قصَّة الظبية حجَّة وَالْأُصُول فى هَذَا النَّوْع لَا تَنْحَصِر وَسَنذكر مَالك أَن تضمه إِلَى هَذَا فى تَرْجَمَة الإِمَام فَخر الدّين فى مَسْأَلَة تَسْبِيح الجمادات حَيْثُ نرد عَلَيْهِ ثمَّ إِنْكَاره لذَلِك
وَمِنْهَا قصَّة النَّار الْخَارِجَة من الْجَبَل
كَانَت تخرج من كَهْف فى جبل فتحرق مَا أَصَابَت فَخرجت فى زمن عمر فَأمر أَبَا مُوسَى الأشعرى أَو تميما الدارى أَن يدخلهَا الْكَهْف فَجعل يحبسها بردائه حَتَّى أدخلها الْكَهْف فَلم تخرج بعد