ظَنّه أَنه كل الْمَقْصُود وَلَا مَقْصُود سواهُ بل لله تَعَالَى فِي الْفَرَائِض الَّتِي استعبد بهَا الْخلق أسرار سوى الْفِطَام تقصر بضَاعَة الْعقل عَن دركها
وَمثل هَذَا الرجل المنخدع بِهَذَا الظَّن مثل رجل بنى لَهُ أَبوهُ قصرا على رَأس جبل وَوضع فِيهِ شدَّة من حشيش طيب الرَّائِحَة وأكد الْوَصِيَّة على وَلَده مرّة بعد أُخْرَى أَن لَا يخلي هَذَا الْقصر عَن هَذَا الْحَشِيش طول عمره وَقَالَ إياك أَن تسكن هَذَا الْقصر سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا وَهَذَا الْحَشِيش فِيهِ
فزرع الْوَلَد حول الْقصر أنواعا من الرياحين وجلب من الْبر وَالْبَحْر أوقارا من الْعود والعنبر والمسك وَجمع فِي قصره جَمِيع ذَلِك مَعَ شدات كَثِيرَة من الرياحين الطّيبَة الرَّائِحَة فانغمرت رَائِحَة الْحَشِيش لما فاحت هَذِه الروائح فَقَالَ لَا أَشك أَن وَالِدي مَا أَوْصَانِي بِحِفْظ هَذَا الْحَشِيش إِلَّا لطيب رَائِحَته والآن قد اسْتَغْنَيْت بِهَذِهِ الرياحين عَن رَائِحَته فَلَا فَائِدَة فِيهِ الْآن إِلَّا أَن يضيق على الْمَكَان فَرمي من الْقصر
فَلَمَّا خلا الْقصر عَن الْحَشِيش ظهر من بعض ثقب الْقصر حَيَّة هائلة وضربته ضَرْبَة أشرف بهَا على الْهَلَاك فتفطن وتنبه حَيْثُ لم يَنْفَعهُ التنبه أَن الْحَشِيش كَانَ من خاصيته دفع هَذِه الْحَيَّة الْمهْلكَة