وَكَانَ ينفث بِالسحرِ أقلامه على الرّقّ استوفى الْحَظ الأوفى من علم الْأُصُول وَالتَّفْسِير تلقنا من وَالِده ورزق السرعة فِي الْكِتَابَة بِحَيْثُ كَانَ يكْتب كل يَوْم طاقات على الاعتياد لَا يلْحقهُ فِيهِ كَبِير مشقة وَحصل أنواعا من الْعُلُوم الدقيقة والحساب
فَلَمَّا فرغ من تَحْصِيل الْفِقْه تأهب لِلْخُرُوجِ لِلْحَجِّ وَحين وصل إِلَى بَغْدَاد وَعقد لَهُ الْمجْلس وَرَأى أهل بَغْدَاد فَضله وكماله وعانيوا خصاله بداله من الْقبُول عِنْدهم مَا لم يعْهَد مثله لأحد قبله وَحضر مَجْلِسه الْخَواص وَلزِمَ الْأَئِمَّة مثل أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الَّذِي هُوَ فَقِيه الْعرَاق فِي وقته عتبَة منبره
وأطبقوا على أَنهم لم يرَوا مثله فِي تبحره وَخرج إِلَى الْحَج وَلما عَاد كَانَ الْقبُول عَظِيما وزائدا على مَا كَانَ من قبل وَبلغ الْأَمر فِي التعصب لَهُ مبلغا يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة وقلما كَانَ يَخْلُو مَجْلِسه عَن إِسْلَام جمَاعَة من أهل الذِّمَّة
وَخرج بعد من قَابل رَاجعا إِلَى الْحَج فِي أكمل حرمه وترفه فِي خدمَة من أَمِير الْحَاج وَأَصْحَابه وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَأمر الْقبُول بِحَالهِ والفتنة مشرئبة تكَاد تضطرم فَبعث إِلَيْهِ نظام الْملك يستحضره من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فَأكْرم مورده وَبَقِي أهل بَغْدَاد عطاشا إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامه مِنْهُم من لم يفْطر عَن الصَّوْم سِنِين بعده وَمِنْهُم من لم يحضر من بعده مجْلِس