دجلة يأوي إِلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابه واشتهر اسْمه وَبعد صيته واستفاضت كراماته وَبنى تِلْكَ الخربة رِبَاطًا وَبنى إِلَى جَانبهَا مدرسة فَصَارَ حمى لمن التجأ إِلَيْهِ من الْخَائِفِينَ يجير من السُّلْطَان والخليفة وَغَيرهمَا وأفلح بِسَبَبِهِ خلق وأملى مجَالِس وصنف مصنفات واتفقت لَهُ فِي بدايته مجاهدات كَثِيرَة وَاجْتمعَ بسادات
وَحكى عَن نَفسه قَالَ كنت أَدخل على شَيْخي وَرُبمَا يكون اعْتَرَانِي بعض الفتور عَمَّا كنت عَلَيْهِ من المجاهدة فَيَقُول لي أَرَاك قد دخلت وَعَلَيْك ظلمَة فَأعْلم سَبَب ذَلِك وكرامة الشَّيْخ وَكنت أبقى الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لَا أستطعم بزاد وَكنت أنزل إِلَى دجلة وأتقلب فِي المَاء ليسكن جوعى حَتَّى دعتني الْحَاجة إِلَى أَن اتَّخذت قربَة أستقي بهَا المَاء للقوت فَمن أَعْطَانِي شَيْئا أَخَذته وَمن لم يُعْطِنِي تركته وَلما تعذر عَليّ ذَلِك فِي الشتَاء خرجت يَوْمًا إِلَى بعض الْأَسْوَاق فَوجدت رجلا وَبَين يَدَيْهِ طبرزد وَعِنْده جمَاعَة يدقون الْأرز فَقلت هَل لَك أَن تستأجرني فَقَالَ أَرِنِي يَديك فأريته فَقَالَ هَذِه يَد لَا تصلح إِلَّا للقلم ثمَّ ناولني قرطاسا فِيهِ ذهب فَقلت مَا آخذ إِلَّا أُجْرَة عَمَلي فاستأجرني على النّسخ إِن كَانَ لَك نسخ وَإِلَّا انصرفت وَكَانَ رجلا يقظا فَقَالَ اصْعَدْ وَقَالَ لغلامه نَاوَلَهُ المدقة فناولني فدققت مَعَهم وَلَيْسَ لي عَادَة وَصَاحب الدّكان يلحظني فَلَمَّا عملت سَاعَة قَالَ تعال فَجئْت إِلَيْهِ فناولني الذَّهَب وَقَالَ هَذِه أجرتك فَأَخَذته وانصرفت ثمَّ أوقع الله فِي قلبِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ فاشتغلت حَتَّى أتقنت الْمَذْهَب وقرأت أصُول الدّين وأصول الْفِقْه وحفظت وسيط الواحدي فِي التَّفْسِير وَسمعت كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة
توفّي الشَّيْخ أَبُو النجيب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute