صَلَاح الدّين فتسلم منبح وحاصر قلعة أعزاز ثمَّ نَازل حلب ثَالِثا وَأقَام عَلَيْهَا مُدَّة فأخرجوا ابْنة صَغِيرَة لنُور الدّين إِلَى صَلَاح الدّين فَسَأَلته أعزاز فَوَهَبَهَا لَهَا ثمَّ عَاد إِلَى الديار المصرية واستناب بِدِمَشْق أَخَاهُ شمس الدولة تورانشاه وَكَانَ قد عَاد من الْيمن وَكَانَت هَذِه السفرة مِنْهُ إِلَى الشَّام مِمَّا نقم عَلَيْهِ ظَاهرا للإساءة فِيهَا إِلَى ولد نور الدّين وَهُوَ ابْن مخدومه الَّذِي انشأه وَأحسن إِلَيْهِ وقيامه على بَيت الْملك والعز قبله وهما صَاحب الْموصل وَأَخُوهُ غير أَن الْحَال بِالآخِرَة تبين أَن الله تَعَالَى قد أَرَادَ إعزاز دينه على يَد هَذَا الرجل وَأَنه لَا يتم للْمُسلمين أَمر بِدُونِ سُلْطَان قاهر قَادر على استئصال شأفة الفرنج فِي ذَلِك الْوَقْت يجْتَمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا تتفرق عَنهُ كلمتهم وَيكون هُوَ فِي نَفسه جَدِيرًا بذلك وأبى الله أَن يكون فِي ذَلِك الْعَصْر إِلَّا صَلَاح الدّين
فَلَمَّا وصل إِلَى الْقَاهِرَة عَائِدًا من الشَّام بعد مَا فعل مَا رَأَيْت مجمله دون مفصله وَفِي تفاصيله شرح كَبِير أحلناك على كتبه خرج إِلَى الفرنج فِي سنة ثَلَاث والتقاهم على الرملة فانكسر الْمُسلمُونَ يَوْمئِذٍ وَثَبت صَلَاح الدّين وتحيز بِمن مَعَه ثمَّ دخل إِلَى مصر وَلم شعث الْعَسْكَر ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام وَملك حلب وَغَيرهَا من الْبِلَاد وعظمت الشَّوْكَة ثمَّ توجه لمحاصرة الفرنج بالكرك وَجَاء أَخُوهُ الْعَادِل من مصر وَكَانَ قد استنابه عَلَيْهَا فسير صَلَاح الدّين تَقِيّ الدّين عمر ابْن أَخِيه ليحفظ مصر وَأعْطى أَخَاهُ الْعَادِل حلب بعد أَن كَانَ بهَا وَلَده الظَّاهِر بن صَلَاح الدّين وَقدم الظَّاهِر من حلب ثمَّ أعَاد الْعَادِل إِلَى مصر وَالظَّاهِر إِلَى حلب ثمَّ نزل على الْموصل وترددت الرُّسُل بَينه وَبَين صَاحبهَا عز الدّين ثمَّ مرض صَلَاح الدّين فَرجع إِلَى حران وَاشْتَدَّ مَرضه بِحَيْثُ أيسوا مِنْهُ وحلفوا لأولاده