عرفهَا وَدلّ عَلَيْهَا فَلَمَّا وافيت النَّاحِيَة طلبتها فَوَجَدتهَا غَائِبَة على عدَّة فراسخ فمضيت فِي أَثَرهَا من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة فأدركتها بَين قريتين تمشي مشْيَة قَوِيَّة وَإِذا هِيَ امْرَأَة نصف جَيِّدَة الْقَامَة حَسَنَة الْبدن ظَاهِرَة الدَّم متوردة الْخَدين ذكية الْفُؤَاد فسايرتني وَأَنا رَاكب فعرضت عَلَيْهَا مركبا فَلم تركبه وَأَقْبَلت تمشي معي بِقُوَّة وَحضر مجلسي قوم من التُّجَّار والدهاقين وَفِيهِمْ فَقِيه يُسمى مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه الْحَارِثِيّ وَقد كتب عَنهُ مُوسَى بن هَارُون الْبَزَّار بِمَكَّة وكمل لَهُ عبَادَة وَرِوَايَة للْحَدِيث وشاب حسن يُسمى عبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَكَانَ يخلف أَصْحَاب الْمَظَالِم بناحيته فسألتهم عَنْهَا فَأحْسنُوا الثَّنَاء عَلَيْهَا وَقَالُوا عَنْهَا خيرا وَقَالُوا إِن أمرهَا ظَاهر عندنَا فَلَيْسَ فِيهَا من يخْتَلف فِيهَا
قَالَ الْمُسَمّى عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَنا أسمع حَدِيثهَا مُنْذُ أَيَّام الحداثة ونشأت وَالنَّاس يتفاوضون فِي خَبَرهَا وَقد فرغت بالي لَهَا وشغلت نَفسِي للاستقصاء عَلَيْهَا فَلم أر إِلَّا سترا وعفافا وَلم أعثر مِنْهَا على كذب فِي دَعْوَاهَا وَلَا حِيلَة فِي التلبيس وَذكر أَن من كَانَ يَلِي خوارزم من الْعمَّال كَانُوا فِيمَا خلا يستخصونها ويحضرونها الشَّهْر والشهرين وَالْأَكْثَر فِي بَيت يغلقونه عَلَيْهَا ويوكلون بهَا من يراعيها فَلَا يرونها تَأْكُل وَلَا تشرب وَلَا يَجدونَ لَهَا أثر بَوْل وَلَا غَائِط فيبرونها ويكسونها ويخلون سَبِيلهَا
فَلَمَّا تواطأ أهل النَّاحِيَة على تصديقها استقصصتها عَن حَدِيثهَا وسألتها عَن اسْمهَا وشأنها كُله فَذكرت أَن اسْمهَا رَحْمَة بنت إِبْرَاهِيم وَأَنه كَانَ لَهَا زوج نجار فَقير معيشته من عمل يَده يَأْتِيهِ رزقه يَوْمًا وَيَوْما لَا فضل فِي كَسبه عَن قوت أَهله وَأَنَّهَا ولدت مِنْهُ عدَّة أَوْلَاد وَجَاء الأقطع ملك التّرْك إِلَى الْقرْيَة فَعبر الْوَادي عِنْد جموده إِلَيْنَا فِي زهاء ثَلَاثَة آلَاف فَارس وَأهل خوارزم يَدعُونَهُ كسرة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute