الثَّامِن أَن سجدتيها مكروهتان فَإِن الشَّرِيعَة لم ترد بالتقرب إِلَى الله سُبْحَانَهُ بِسَجْدَة مُنْفَرِدَة لَا سَبَب لَهَا فَإِن الْقرب لَهَا أَسبَاب وشرائط وأوقات وأركان لَا تصح بِدُونِهَا فَكَمَا لَا يتَقرَّب إِلَى الله بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة ومزدلفة وَرمي الْجمار وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من غير نسك وَاقع فِي وقته بأسبابه وشرائطه فَكَذَلِك لَا يتَقرَّب إِلَى الله عز وَجل بِسَجْدَة مُنْفَرِدَة وَإِن كَانَت قربَة إِلَّا إِذا كَانَ لَهَا سَبَب صَحِيح وَكَذَلِكَ لَا يتَقرَّب إِلَى الله عز وَجل بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام فِي كل وَقت وَأَوَان وَرُبمَا تقرب الجاهلون إِلَى الله بِمَا هُوَ مبعد عَنهُ من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
التَّاسِع لَو كَانَت السجدتان مشروعتين لَكَانَ مُخَالفا للسّنة فِي خشوعهما وخضوعهما لما يشْتَغل بِهِ من عدد التَّسْبِيح فيهمَا بباطنه أَو ظَاهره أَو بهما
الْعَاشِر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي وَلَا تخصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام إِلَّا أَن يكون فِي صَوْم يَصُومهُ أحدكُم وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه
الْحَادِي عشر أَن فِي ذَلِك مُخَالفَة السّنة فِيمَا اخْتَارَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أذكار السُّجُود فَإِنَّهُ لما نزل قَول الله تَعَالَى {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ وَقَوله سبوح قدوس وَإِن صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَصح أَنه أفردها بِدُونِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَلَا أَنه وظفها على أمته وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَا يوظف إِلَّا الأولى من الذكرين وَفِي قَوْله سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى من الثَّنَاء مَا لَيْسَ فِي قَوْله سبوح قدوس
وَمِمَّا يدل على ابتداع هَذِه الصَّلَاة أَن الْعلمَاء الَّذين هم أَعْلَام الدّين وأئمة الْمُسلمين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعين وَغَيرهم وَمن دون الْكتب فِي الشَّرِيعَة مَعَ شدَّة حرصهم على تَعْلِيم النَّاس الْفَرَائِض وَالسّنَن لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم أَنه ذكر هَذِه الصَّلَاة وَلَا دونهَا فِي كِتَابه وَلَا تعرض لَهَا فِي مجالسه وَالْعَادَة تحيل أَن يكون مثل هَذِه سنة وتغيب عَن هَؤُلَاءِ الَّذين هم أَعْلَام الدّين وقدوة الْمُؤمنِينَ وهم الَّذين إِلَيْهِم الرُّجُوع فِي جَمِيع الْأَحْكَام من الْفَرَائِض وَالسّنَن والحلال وَالْحرَام وَهَذِه الصَّلَاة لَا يُصليهَا أهل الْمغرب الَّذين شهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطائفة مِنْهُم أَنهم لَا يزالون على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة وَكَذَلِكَ لَا تفعل بالإسكندرية لتمسكهم بِالسنةِ وَلما صَحَّ عِنْد السُّلْطَان الْملك الْكَامِل رَحمَه الله أَنَّهَا من الْبدع المفتراة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبطلها من الديار المصرية فطوبى لمن تولى شَيْئا من أُمُور الْمُسلمين فَأَعَانَ على إماتة الْبدع وإحياء السّنَن وَلَيْسَ لأحد أَن يسْتَدلّ بِمَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الصَّلَاة خير مَوْضُوع فَإِن ذَلِك مُخْتَصّ بِصَلَاة مَشْرُوعَة